إذا تمت المصادقة على موازنة الرئيس بوش المقترحة لعام 2009 بصيغتها الحالية، فإن إنفاق الحكومة الأميركية سيكون قد ارتفع بأكثر من 1.2 تريليون دولار منذ أن غادر الرئيس كلينتون البيت الأبيض، أي بزيادة تصل إلى 35%. فقد ارتفعت الموازنة في عهد بوش ثلاث مرات مقارنة مع نسبة ارتفاعها خلال ولاية كلينتون، وقد خصص بوش أكبر موازنة للدفاع منذ الحرب العالمية الثانية دون احتساب التمويل المرصود لحربي العراق وأفغانستان. لكن كعادته، يفتخر بوش بالانضباط المالي للموازنة الأميركية، بل يتوقع نهاية عجز الميزانية العامة بحلول 2012. وقد يبدو ذلك جيداً لو لم ينطو على بعض المغالطات، حيث تمتلئ موازنة بوش بكثير من المناورات التي تسعى إلى إخفاء مستوى الإنفاق الحقيقي لإدارته. وفي هذا السياق يشكل رقم 3.1 تريليون دولار الذي طلبه بوش لموازنة عام 2009 ارتفاعاً بنسبة 6% مقارنة مع العام الماضي، و67% مقارنة بعام 2001. ورغم هذا الارتفاع الكبير في الموازنة، لم تتغير أساليب الإنفاق كثيراً، إذ يذهب جزء كبير منها إلى "البنتاجون" بدعوى حماية أميركا من الأخطار الخارجية التي تتهدد أمنها. وبدلاً من تقليص موازنة الدفاع، بسبب ما حظيت به من أموال هائلة في السابق يفترض أنها قادرة على الإيفاء باحتياجات الأمن القومي، فإنها ما فتئت ترتفع إلى مستويات قياسية بفضل لجوء إدارة بوش إلى طلبات التمويل الطارئة التي لا تحتسب ضمن عجز الموازنة العام إلا في السنة اللاحقة. ولتوضيح الكيفية التي يرتفع بها حجم الموازنة ومعها العجز، خارج الأرقام الرسمية التي يصرح بها بوش بداية كل سنة، ما علينا سوى تفحص الموازنة المالية لعام 2008، حيث أخبرنا بوش وقتها أن العجز في الميزانية سيكون 239 مليار دولار. لكن بعد عام على ذلك، وبعد احتساب طلبات التمويل الطارئة، تضخم العجز سنة 2008 إلى 410 مليارات دولار، وستواصل تضخمها مع إضافة طلبات أخرى للتمويل الطارئ. وفي السنة المالية 2009، والتي تبدأ في شهر أكتوبر المقبل، حُدد العجز بـ407 مليارات دولار، لكن بعد احتساب النفقات المستعجلة سيرتفع إلى أكثر من ذلك الرقم. ومع أن هذا العجز يشكل تدهوراً واضحاً للمستقبل المالي للولايات المتحدة على المدى القصير، فإن "الجمهوريين" يجادلون بأنه لا يمثل سوى نسبة صغيرة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم أن الدين العام الذي ارتفع منذ عام 2000 سيواصل صعوده ليشكل نسبة 36.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009. وهو ما يؤكد أن العجز النهائي في الموازنة لعام 2009 سيكون أكبر مما هو عليه اليوم وسيفوق التقديرات الحالية التي صرح بها الرئيس بوش. وعلى سبيل المثال سترتفع الحوافز المالية التي رصدها بوش للنهوض بالاقتصاد، والتي حددت بـ145 مليار دولار إلى أكثر من ذلك بعد تدخل جماعات الضغط التي ستطلب إدراجها في قائمة المستفيدين من الدعم. فقد طلبت إحدى الشركات من الكونجرس إدراج موظفيها المستفيدين من الضمان الاجتماعي ضمن لائحة الأميركيين الذين سيحصلون على 600 دولار للفرد، ما يكلف الحكومة 23 مليار دولار تضاف إلى المبلغ المرصود للدعم الاقتصادي. والأسوأ من ذلك أنه من بين 987.6 مليار دولار من النفقات الاستعجالية التي طلبها بوش، يذهب أكثر من نصفها إلى "البنتاجون" دون أن تدرج في جهود التمويل الحربي. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مطالبة الرئيس بوش بمبلغ 75.8 مليار دولار خصص منه 70 مليار دولار للحرب في العراق ومحاربة الإرهاب، فيما رصد الباقي لجهود الإغاثة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. لكن بما أن الإدارة حصلت على هذه المبالغ في إطار النفقات الاستعجالية فإنها لم تدرج قط ضمن التوقعات المتصلة بالعجز في الميزانية. والواقع أنه حتى ذلك المبلغ الذي أنفق على الحرب في العراق (70 مليار دولار) لا يكفي لأكثر من بضعة أشهر في عام 2009 لتغطية تكاليفها. وإذا رجعنا إلى السنوات الماضية، فسنجد أن موازنة الحرب تسجل عجزاً يتراوح بين 70 و140 مليار دولار، لاسيما أن أميركا أنفقت في عام 2007 أكثر من 190 مليار دولار على حربي العراق وأفغانستان، ومن غير المحتمل أن يتراجع هذا الرقم فجأة في عام 2009. وسيبقى الأمر على هذه الحال حتى لو قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من العراق، بحيث ستكون الحاجة ماسة لإعادة صيانة المعدات العسكرية بعد ست سنوات متتالية من الحرب في أفغانستان والعراق، وستلجأ "البنتاجون" إلى إرسال طلبات مالية جديدة مباشرة إلى الكونجرس لعدة سنوات قادمة. هذا وتستند توقعات بوش المتفائلة بشأن تحقيق فائض في الموازنة بحوالي 48 مليار دولار بحلول 2012، على افتراضات واهمة مثل موافقة "الديمقراطيين" في الكونجرس على اقتراحه بالحد من الإنفاق على البرامج الصحية التي تصل 195.7 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. ويفترض الرئيس بوش، وهو مخطئ في ذلك، أن يتوسع الوعاء الضريبي ليشمل أكبر عدد من الأميركيين بعد عام 2008، وبأن حربي العراق وأفغانستان لن تمولا بعد 2009. وحتى لو كان ذلك صحيحاً فإن ما على بوش أن يركز عليه أكثر هو تقليص حجم الحكومة، وليس فقط الإنفاق العام. لذا فإن موازنة العام 2009 التي كان يفترض بها أن تكون إيجابية، كآخر تركة للرئيس بوش قبل مغادرته البيت الأبيض، لكنها جاءت لتكرس عجزاً مالياً كبيراً ستتولى دفعه الأجيال القادمة. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"